Friday 28 August 2015

الحب الأول


في مرحلة الثانوية هنالك طريقان لكل فتي في هذة المرحلة وهما الإنغماس في المذاكرة للحصول علي درجات عالية للإلتحاق بكلية من كليات القمة أو الطريق الثاني وهو التسكع في الشوارع مع أصدقائك لممارسة الرجولة من خلال شرب السجاير الفرط وخاصتاْ سجاير كيلوباترا  والبحث عن تحقيق أحلام المراهقة مثل ماشاهدت من أفلام عربية لأنني كان لدي يقين كامل أنني سوف تقع فتاة رائعة الجمال فاحشة الثراء في جاذبيتي وجمالي الباهر أو راقصة مشهورة مثل فيلم أبي فوق الشجرة وتنفق علي الكثير من الأموال الطائلة وتنتظر إشارة فقط مني لكي تحقق كل أحلامي.
كلما أتذكر هذا الشعور أتعجب كثيراْ من حالي فعلي أي أساس كنت أتوقع أن يحدث ذلك لأنني إكتشفت الحقيقة المؤلمة عندما نظرت أول مرة في المرآة وأعتقد أنني لم أنظر في المرآة بعد تلك الصدمة لفترة طويلة كنت أنظر بقفايا فقط حتي لا أري حقيقة سحري وجاذبيتي مرة أخري.
 أما بالنسبة لي فبالطبع وبدون أسف إخترت الطريق الثاني.
قبل دخولي لمرحلة الثانوية العامة كان لي صديقين ليس لهم أي تجارب في الحياة وكانوا ينظرون لي بنظرة الخبير والمتمرس في مجالات الحياة وخاصتاْ في العلاقات الغرامية لأنني كنت في تلك المرحلة أحكي لهم حكايات كثيرة من وحي خيالي عن قدرتي اللولبية في جذب الفتيات إلي مثل المغناطيس كنت أشعرهم أنهم يجلسون مع مهند هذا العصر الذي عندما يمر بطريق تتساقط النساء من نوافذ بيوتهم من أجل النظرفي عيني أو عندما أكون في إحدي المواصلات فيغمي عليهن بسبب عدم قدرتهم علي مقاومة جاذبيتي أكثر من خمسة دقائق فقط.
 كنت في تلك الفترة أذهب للساحة الشعبية لحمل الأثقال والكثير كانوا يشجعونني لأن جسمي مناسب جداْ لتلك الرياضة مما أثر علي تكوين جسدي فكنت بالنسبة لهم ضخم الجثة عريض المنكبين وأنة لا يستطيع أحد الإقتراب منهم لأنهم أصدقاء لي وهذا الشعور كنت سعيد بة لأنني كنت أشعر بذاتي وقدراتي الغير محدودة معهم.
كان أصدقائي منبهرين بمنظري لأنني كنت أغير في شكلي وشعري وخاصتاْ شعري لأنني جربت كل الطرق لكي أصنع نيولوك جديد كل يوم لكي أبدو أنني دون جوان المنطقة كلها في خيال أصدقائي وكان هذا يسعدني جداْ عندما أري الإنبهار في عيونهم عندما يستمعون إلي أو يتأملون مظهري لذلك كانوا يجدوا عندي ما كانوا يحلمون بة كمراهقين يعيشون لحظات حب المراهقة في سكون داخل مشاعرهم فقط أما أنا فكنت في نظرهم الفتي الذي لايقهر وعندما أريد أن أفعل شيء أفعلة بدون تردد.
كان لنا نحن الأصدقاء عادة يومية وهي التجمع قبل المغرب بقليل علي سطح أحد منازلنا ومعنا كاسيت صغير كان خاص بي أو بالأصح كان ملك أخي الكبر  وكنت أحضر بعض شرائط الكاسيت والتي كنت أسجلها من الشريط الأصلي لأي فنان في تلك الفترة لكي نسمعها سوياْ وبذلك نوفر الكثير من النقود وكانوا يتعجبون في قدرتي في التغلب علي تلك المعوقات بأفكار بسيطة وهذا جعلهم يعتقدون أنني الخبير في كل شيء ومن الممكن أن أغير مسارهم كمراهقين يرغبون مثل باقي الأصدقاء يعيشون لحظات الحب والخيال مع تلك الأغاني.
في الواقع كنت مثلهم ليس لي خبرة في شيء ولكن كل خبرتي كانت من خلال القصص التي قرأتها وخاصتاْ قصص إحسان عبد القدوس التي قرأتها كلها وكنت أقرأها بشغف وحب حيث كنت أشعر أنني البطل في كل قصة حيث كنت أتخيل نفسي هكذا وذلك منحني خبرة لم تكن مكتسبة من الواقع.
كان كل منهما يعيش حالة من الرومانسية الوجدانية ويبحث لها علي ظلال في أرض الواقع ولكل منهما فتاة يراها من بعيد من خلال بلكونة أو شباك فقط ينظر إليها ويحلم أنها تشعر بة وبمشاعرة الفياضة التي تسكن وجدانة فقط فكنت أستمع إلي حكاياتهم ورغباتهم لأنهم كانوا يعتقدون أن الحل السحري الذي سوف يحطم كل تلك الحواجز لدي أنا فقط ومن خلال مساعدتي لهم سوف يتواصلون مع تلك الفتيات اللاتي ينظرون إليهن أنهن سوف يكونوا زوجات المستقبل.
كنت مستمع جيد لهم ولأحلامهم لأنني كنت أشعر في تلك اللحظات أنني مسؤل عنهم لقلة خبرتهم في الحياة وإرتباطهم بي كقدوة لهم.
كنت دائماْ أدفعهم لإتخاذ خطوات إيجابية للفت أنظار من يحبون من خلال حركات عفوية كلما أتذكرها أبتسم لسذاجتي في تلك الفترة من حياتي.
كان أحد أصدقائي يجلس فوق سطح منزلة لأكثر من أربع ساعات تحت الشمس الحارقة منتظراْ أن تخرج حبيتة لتنشر الغسيل بالرغم أن بيتها علي مسافة لا تقل عن خمسمائة متر وكنت أتعجب كيف يستطيع رؤيتها فهو بالكاد يري بيتها ولكن العجيب أنة كان مقتنعاْ تماماْ أنها تراة وتنظر إلية أيضاْ وتشعر بمشاعرة الفياضة من الحب لها.
كنت جريء وأفعل أشياء لا يستطيعون فعلها وكنت أحاول ان أساعدهم بمختلف الطرق لأنهم كانوا يؤمنون بي وهذة كانت مشكلتهم معي.
كنت كل يوم في المساء نسير في الطرقات علي أطراف مدينتي في الظلام حيث كل واحد منا يشعر أنة يسير لوحدة وأن يتحدث مع نفسة بصوت عالي لكي نسمعة ونشعر بة وبأحلامة.
كانوا يشعرونني أنني الحكيم صاحب الأفكار التي من الممكن أن يجدوا في رحابي الحكمة والأفكار التي من خلالها يستطيعون النجاح.
فمثلاْ استطعت أن أحصل علي رقم تليفون منزل حبيبة صديقي والتي كانت أكثرمن مفاجاة رائعة لصديقي لأننا في تلك الفترة كانت التليفونات الأرضية فقط هي المتاحة لدينا والقليل الذي يمتلك تليفون في منزلة وأيضاْ من الصعوبة أن تحصل علي رقم شخص ما حتي لو كنت رأفت الهجان بذاتة ولكن فعلتها بطرقي اللولبية التي لا تقهر فكان صديقي يتصل بها لكي يسمع صوتها فقط ولكن في الأغلب كان يسمع مدح في والدية عن طريق إخواتها وأبيها فالسباب كان مثل الطلقات التي تخترق أذاننا.
وفي إحدي المرات قررت أن أفعل معة حركة جريئة لإتخاذ خطوات إيجابية في تلك الأحلام الضائعة عندما قررت أن أخذة في جولة حول بيتها حتي يراها عن قرب ربما تشعر بها فكنا نسير حول البيت في دوائر لمدة تزيد عن الساعة حتي ظهرت حبيتة من خلال إحدي البلكونات فشعرت أن قلبة ينبض بطريقة قوية لدرجة أنني شعرت أنة سوف يقفز من بين ضلوعة وقررت أن أفعل شيء أكثر جرأة في تلك اللحظة حيث وجهت كلامي بصوت عالي جداْ لكي تسمعة حبيبتة وكذلك كل جيرانها وجيران جيرانها قائلاْ :
( ألف ألف مبروك يا يوسف علي التليفون الجديد موش نمرتك كذا وكذا )
فعلت ذلك ربما تستطيع ان تتصل بة في حالة شعورها بحبة إذا كانت تشعر بة من الأساس ولكن الغريبة أنني لم أجد صديقي بجواري لأنة من كثرة الخوف تركني وجري خوفاْ أن يخرج أبيها ويكمل وصلة الردح والسباب وجهاْ لوجهة في تلك المرة.
عنفت صديقي بعنف وأخبرتة أنة فقد فرصة ذهبية عندما هرب من أرض المعركة وانها إبتسمت وضحكت عندما وجدتة قد أطلق ساقية للعنان.
صديقي لم يصدق نفسة عندما سمع تلك الكلمات حتي أنة أخبرني انة لم يستطع النوم لمدة يومين وأنة كان يعتلي سطح منزلة كل نصف ساعة لربما يراها من جديد.
لم يحدث أي جديد بعد تلك المحاولة فكان صديقي يقضي حياتة كلها بجوار التليفون منتظرأ حبيبتة أن تتصل بة حتي أنة عندما يدخل الحمام كان يأخذ التليفون معة وحاول أن يأخذ تليفون البيت معة في الخارج أيضاْ ولكن سلك التليفون لم يكن بهذا الطول.
قررت إعادة المحاولة مرة أخري وشجعت صديقي بأن يكون أكثر جرأة وأننا لابد ان نصل لنتيجة في تلك المرة وبالفعل ذهبنا إلي بيت حبيبتة وأنتظرنا أسفل البلكونة بجرأة غريبة مني حتي ظهرت ووجدتنا ننظر إليها نحن الأثنين كأننا قد أشتركنا في حبها معاْ.
فتحدثت بصوت عالي كأنني أتحدث إلي صديقي لكي أخبرها برقم تليفون صديقي لعلها تكون أكثر جرأة منة وفي تلك اللحظة لمعت في ذهني فكرة رائعة حيث أكملت حديثي بصوت عالي لدرجة أن كل الجيران خرجوا ليشاهدوا من الحمار الذي ينهق في الشارع كل هذا الوقت.
الفكرة ببساطة أنني وجهت الكلام ليوسف لكي أخبرة أنني سوف أتصل في السادسة مساءاْ وأخذت أكررها عدة مرات ويوسف صامت مثل أبو الهول.
لم نتوقع أننا سوف نجد رد الفعل سريع لهذة الدرجة فوجدنا كمية ماء كأنها شلال يتساقط علينا وتعجبت أن السماء أمطرت علينا فقط دون بقية الشارع بالرغم أننا في شهر يوليو وكنت أظنها انها معجزة إلهية عندما رأيت صديقي مثل الكتكوت الذي وقع في الماء فكل ملابسة كانت مبللة كذلك أنا أيضاْ لدرجة أننا أثناء عودتنا كانوا ينظرون إلينا كأننا سقطنا في بلاعة مجاري معاْ.
لكن شعوري هذا لم يدم سوي للحظات فقط فقد سمعنا وابل من الشتائم والسباب من أبوها لدرجة أنني في تلك المرة قد جريت وتركت صديقي يواجة مصيرة المحتوم.
لم نفعل أكثر من ذلك وبقيت تلك القصة علي حالها صديقي يقبع علي سطح منزله ينتظر رؤيتها من علي هذة المسافة ويجلس معنا كل يوم ينصت إلي أغاني الحب لكي يحلم ويتخيل أشياء لم تكن تحدث من الأصل ومرت الأيام وأصبحت قصة الحب الأول لصديقي مجرد ذكري نتذكرها لكي نبتسم ونتمي العودة من جديد لتلك الأيام الجميلة في حياتنا أيام كانت القلوب مازالت مثل الزهور بيضاء فقط تحلم بدون ان تشعر أن المستقبل سوف يكون مختلف تماماْ عن أحلامهم.
تمت

No comments: